جلس عماد ابن الرابعة عشرة من عمره أمام التلفاز، يقلب الفضائيات بحثًا عن أخبار وتطورات جديدة لما يحدث في المسجد الأقصى المبارك دون أن يعلم ماذا يفعل؟! ثم صاح قائلاً: عاوز أروح للمسجد الأقصى.. لمنع اليهود من أخذه مِنّا.
كلمات عماد، الطفل الفلسطيني الذي تعود منذ نعومة أظفاره على مقارعة قوات الإحتلال، وإن كانت عفوية إلاّ أنها تطرح تساؤلات مهمة حول كيفية تربية الأجيال الناشئة على حب القدس والأقصى، وغرس روح الفداء والتضحية في نفوسها، خاصة في ظل طوفان الفضائيات والإنترنت التي باتت تشكل عقول الأطفال، بعيدًا عن تأثير الأسرة وغيرها من مؤسسات التنشئة.
أما السيدة رحاب معتصم -ربة أسرة- فتقول:
إن تلك التقنيات الحديثة لم تكن عائقًا أمام ربط أطفالها بالقدس، إذ تقول: لقد اشتريت ألعابًا تكنولوجية لأطفالي على الكمبيوتر، يتعلمون من خلالها مواقف ومواقع ذات علاقة بالقدس ومقدساتها.
وتضيف: البرامج الإلكترونية جعلت أطفالي يفكرون مليًا بالقدس، ويرغبون في التعرف عليها أكثر، مما دفعني إلى شراء بعض الكتب والقصص والروايات لأدرسها، ومن ثم أعيد روايتها لأطفالي حسب عقليتهم ومستواهم العمري، إضافة إلى أن أطفالي أصبحوا يرسمون أسوار القدس والمسجد الأقصى وقبابه ومساجده.
وتنصح رحاب معتصم الأم العربية بأن تعطي أطفالها مزيدًا من اللقاحات الإسلامية التي تعزز إرتباطهم بالمقدسات وحمايتها.
أما ميس محمود -ربة أسرة- فقد أشارت إلى تجربتها قائلة:
أحفز أطفالي على مشاهدة برامج تلفزيونية متعددة عن القدس، وأخبرهم بأي تطور يحدث من إعتداء أو إنتهاك لحرمة المقدسات، وأزيدهم عن طريق عرض أفلام ونشرات أخبار القدس.
* دور المدرســـة:
أما عن دور المدرسة في توعية أطفال فلسطين وربطهم بالقدس، فقد سجل عدد من المدرسين إستياءهم من المنهاج المدرسي الذي لا يعطي القدس حقها في التناول، بينما يتعلم أطفال اليهود فصولاً كاملة عن تاريخ مزوّر لهم في القدس وحقهم في إزالة الأقصى وبناء الهيكل وطرد العرب.
ويقول مدحت طلب، مدرس التاريخ بإحدى المدارس الرسمية: نحن ملزمون بخطة الوزارة في التدريس، وعلينا إنجازها مع نهاية العام الدراسي، وأي تأخير وتقصير يضر بموقف المدرس، وبالتالي لا يوجد وقت حر للحديث عن القدس والأقصى وما يتعرض له.
ويضيف قائلاً: أدركنا مؤخرًا بأن علينا الإهتمام بالقدس من خلال الإذاعة المدرسية وخلال أوقات الفراغ، إضافة إلى تكليف الطلبة في مناهج التربية الوطنية والتاريخ بإنجاز أعمال كلوحة حائط ومجسمات عن القدس والأقصى.
بدوره أشار جمال صبري، مدرس التاريخ، إلى أنه يشعر بالصدمة عندما يسأل الطلبة عن مواقع وأحداث مرتبطة بالقدس، فيجد أن الطلبة لا يوجد لديهم وعي كامل بذلك، إضافة إلى عدم اطلاعهم على الأطماع الإسرائيلية، وما تقوم به المؤسسات الإسرائيلية في القدس، وما يجري أسفل المسجد الأقصى من تهويد وحفر أنفاق.
* بناء جيل الأقصى:
الأسرة هي العمود الفقري لتربية الطفل وتعليمه حب المقدسات والوطن.. بهذه الكلمات شدّد الدكتور سلامة جمال رئيس مركز التربية الأسرية على دور الأسرة في تعريف أطفالها وربطهم بالقدس، لافتاً النظر إلى أنه يجب على الأسرة أن تعمل بجد منذ بداية تكونها على تربية الأبناء على القيم الإسلامية التي من شأنها أن تدفع بالأبناء إلى التعلق بالمقدسات، وتقديم حلول عملية لنصرتها وحمايتها.
وأوضح أن دور التوعية يقع على كاهل كل من الأم والأب، وإن كانت الأم تتحمل الجزء الأكبر من هذا الدور، فمثلاً يجب عليها أن تجلس مع صغارها، وتحدثهم عن أهمية القدس المحتلة وقدسية المسجد الأقصى المبارك، ويضيف: يمكن للأم أن تعقد جلسات شبه يومية وبأسلوب القصة الشيقة مع أبنائها تحدثهم مثلاً عن تحرير المسجد الأقصى زمن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، أو عن فتح القدس وتحريرها على يد القائد صلاح الدين الأيوبي، كما يمكن أن تقص عليهم مواقف تاريخية بطولية ترتبط بأماكن في القدس، بما يعمق لديهم إرتباط القدس بالمسلمين وتاريخهم.
ويشير الخبير في شؤون التربية الأسرية إلى أن المسؤولية تقع كذلك على الروضة والمدرسة، موضحًا أن المنهاج بالمدارس لا يعطي القدس والأقصى إهتمامًا كافيًا ليتعرف الطالب على أهمية القدس وقدسيتها، كما ينبغي على المعلم أن يقوم بالوقوف مطوّلاً عند الحديث عن تاريخ القدس وجغرافيتها، والأدب الذي قام عليها شعرًا ونثرًا، والحديث عن مكانتها الدينية، وأن يكلف الطلبة بالبحث بعمق عن ذلك.
كذلك فإنَّ الإذاعة المدرسية -بحسب الدكتور سلامة جمال- تُعدّ وسيلة ممتازة لتوصيل أفكار ومفاهيم عن أهمية القدس والأقصى إلى الطلبة، ولذا يمكن أن يتم تخصيص دقيقة واحدة كل يوم للحديث عن مكانة بالقدس، أو عن موقف يرتبط بالقدس.
وينتقد جمال المنهاج المدرس حتى في الجامعات العربية، إذ إنها تتجاهل القدس والأقصى، وكثير من الطلبة الجامعيين لا يعلمون أسماء مواقع وأماكن مرتبطة بتاريخ القدس وإسلاميتها.
* نصائح عملية:
هناك العديد من الوسائل البسيطة التي يمكن للأسرة والمدرسة من خلالها تربية جيل من الأبناء محب للقدس ومدافع عنها، ومنها على سبيل المثال:
1= تخصيص وقت في البيت للحديث عن الأقصى، كما يمكن شراء مجسمات لقبة الصخرة والقدس لكي تبقى أمام نظر الطفل ليكبر وهو يعلم أن هذا المكان حق له.
2= يمكن أن نقص على مسامع الأطفال وقت النوم قصة تاريخية متعلقة بالقدس وتحريرها، أو عن أي ركن بالقدس، ويمكن أن يصبح ذلك عادة شبه يومية.
3= تخصيص حصّالة دعماً للقدس.
4= وضع خريطة لأنشطة مدرسية يقوم الطلاب بإنجازها كنشاط أسبوعي عن القدس.
5= تشجيع الطالب على الحديث عن القدس في الإذاعة المدرسية.
الكاتب: قيس أبو سمرة.
المصدر: موقع الإسلام اليوم.